لسان الإنسان

موضوع: لسان الإنسان السبت 10 أبريل 2010, 10:59 pm

منذ مدّة ليست ببعيدة سمعت مثلا عربياً لم أسمعه من قبل ولكن سمعت أمثالاً مشابهة له، استوقفني وجعلني أفكّر فيه كثيراً لما له من رابط بينه وبين الإنسان كقيمة في الحياة .
المثل يقول :" وجدوا رأساً مقطوعاً من جسده وملقى على الأرض ، فقالوا له : مَن صنع بكَ هذا أيها الرأس ؟ قال : لساني " .
المعنى المباشر لهذا المثل واضح وهو أنّ لسان الإنسان قد يؤدّي به إلى التهلكة لأي سبب ، وواضح كذلك أنّ المقصود باللسان ليس هو ذلك العضو الذي يحرّك الطعام في أفواهنا ، بل المقصود هو وظيفة بعينها من وظائف هذا العضو، هي وظيفة الكلام .
ومع أنّ الإنسان ليس هو الكائن الوحيد الذي يمتلك هذا العضو ، فمعظم الكائنات الحيّة لها ألسنة مثله ، ولكن يظل اللسان بالنسبة للإنسان وحده دالاً على الكلام . ولأمر ما أطلق على علوم اللغة إسم علوم اللسان ، أو اللسانيات . ومع أنّ ألسنة البشر من الناحية العلمية واحدة فإنّ لغات الناس في الأزمنة المختلفة والأمكنة المختلفة تتباين أشدّ التباين .
ولو أنّنا أمعنّا النظر قليلاً لتبين لنا أنّ اللسان وحده ليس هو المسؤول عن الكلام الذي يصدر عن الإنسان ، فالكلام يصدر عن جهاز كامل بالغ التعقيد ، ليس اللسان إلاّ وحدة من وحداته . ومع ذلك فقد أصبح من المتعارف عليه الربط بين اللسان والكلام ، سواء على المستوى العلمي أو العرف العام الدارج .
لذلك سمّى إبن منظور أكبر معجم ألّفه للّغة العربية "لسان العرب " – يقصد بذلك كلام العرب .
وأيضاً فإنّه يُقال للشخص الذي يُطلب إليه أن يتكلّم ولكنّه يصمت :" لماذا لا تتكلّم؟أليس لك لسان؟
وهكذا أصبح اللسان رمزاً لعملية الكلام في مجملها ، بل أصبح المسؤول عمّا يُلحق من أذى نتيجة ما يصدر عنه من كلام .
بالعودة إلى المثل فإنّه يحذّر الإنسان من لسانه ، أن ينطق بكلام يجلب له من المتاعب ما قد يصل إلى حدّ فصل رأسه عن جسمه ، أي إعدامه ، وهو تحذير يقوم على نوع من التجسيم الدرامي من خلال التمثيل ، يحفر المغزى في عقل الإنسان حفراً . وهو بذلك ربما كان أكثر تأثيراً من مثلنا المتعارف عليه الذي يقول :" لسانك حصانك ، إن صنته صانك ".
سواء نظرنا في مغزى هذا المثل الأخير أو المثل الذي سمعته فإنّ النتيجة التي ننتهي إليها واحدة تقريباً ، وهي أن يصون الإنسان لسانه من زلا ّت في كلامه يؤاخذ عليه ، فبذلك يضمن لنفسه الأمان .. والحقيقة أنّ اللسان لا يتكلم |آخر الأمر إلاّ بما نفكر فيه ، أو هكذا ينبغي أن يكون .
فإذا كان تفكيرنا واضحاً وعادلاً ومستقيماً خرج الكلام واضحاً وعادلاً ومستقيماً .. وعند ذاك يرفع الكلام صاحبه في أعين الأخرين .
إذاً ، فكما يكون لسان الإنسان سبباً في جلب الضرر والشر عليه ، يكون كذلك سبباً لجلب النفع والخير له . والمعوّل في هذا وذاك ليس على اللسان في ذاته ، أي ليس على الكلام الذي ينطق به اللسان ، بل على ما يفكّر به الإنسان . وهنا قيمة الإنسان في الحياة .
يجوز لنا مقابل هذا المثل الذي سمعته ، أن نخترع مثلاً مقابلاً له يقول :" سألوا رأساً مرفوعاً في شموخ ، ما الذي رفعك هكذا أيها الرأس ؟ قال : لساني " .