اليوم المضمار و غدا السباق .

أيها الغافل تنهَّ عن الغثيان ، و كُفّ عن السياحة بلا أجدفة في فيافي الأماني

، أما آن لك أن تُعيّر نفسك و تفسخ عقود التواني .. لتعقد صفقة بأغلى

الأثمان ..!!

إنها الجنة يا أخي تبغي منك ثمنا ، تبغي منك قلبا بالحب قد سما ، و بغراس

الفضيلة قد نما و ارتوى ، و من موارد الأحبة ارتوى ، و بصدق العزيمة

نوى ..!إنها جنان أُعدت للمشتاقين ، لهم فيها أسرة عليها متقابلين ، و

حسان للمحبين يتوددون إليهم بالشوق و الحنين ..قم يا أخي ، ا فسخ

عقود التواني ما دامت السوق قائمة و السلعة معروضة ، و الطريق معلومة

سر على طريق الصحابة و التابعين ، و خذ منهم زادا إليهم تصبح من

الواصلين .. إنهم يا صديقي خرّيجو مدرسة المصطفى الأمين حبيب رب

العالمين .. كانوا و الله يشمون ريح الجنة بأرواحم فيطيرون إليها بأعمالهم

و تعرف ذلك في أحوالهم .. أما نحن لقد شممناها بأقوالنا و بـ : " نحسن

الظن بالله " و أحوالنا أسوأ من أقوالنا .. كذبنا و الله ، فلو صدقنا لأحسنا

السياقة و الركوب ..!!

و اسمع إن شئت يا أخي إلى أقوال العارفين الذين شمروا منذ عرفوا ، و ما

توقفوا مذ ذاقوا :

جاء في صحيح مسلم أن عتبة بن غزوان حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما

بعد ؛ فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة

كصبابة الإناء يتصابها صاحبها ؛ وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها

فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم

فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا و والله لتملأن أفعجبتم ولقد ذكر

لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليها

يوم وهو كظيظ من الزحام ..

نعم كظيظ الزحام ، لا يتكلم إلا من أذن له الرحمن و قال في هذه الدنيا

الصواب ..

وقال أبو جعفر بن جرير كما جاء في تفسير ابن كثير أبو الفدا : حدثني

يعقوب، حدثني ابن علية، أخبرنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن

السلمي قال : نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ، فجاءتالجمعة، فحضر أبي

وحضرت معه فخطبنا حذيفة فقال: ألا إن الله يقول: { اقتربت الساعة

وانشق القمر } ، ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا

وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار، وغدا السباق، فقلت

لأبي : أيستبق الناس غدا؟ فقال: يا بني إنك لجاهل، إنما هو السباق

بالأعمال .

ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرنا فخطب حذيفة، فقال: ألا إن الله، عز

وجل يقول: { اقتربت الساعة وانشق القمر } ، ألا وإن الدنيا قد آذنت

بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق، ألا وإن الغاية النار، والسابق

من سبق إلى الجنة .

فالسوق يا أخي البوم قائمة ، و العرض متوفر ، فلا تعقدن مع القاعدين

الذين ركبوا أعنة أهوائهم و طاروا في سماء أحلامهم ؛ زادهم ألسنتهم ،

و الأماني المعسولة عزيمتهم .. فبادر يا أخي ثم بادر قبل أن تغادر ، و

تُطوى السوق و تُسدل الستائر ، و رصيدك من الحسنات شاغر !!

فاختر لنفسك ما أنت مختار قبل أن تسافر من هذه الدار ؛ و أنت في

اللهو و الشدو سامر .. فماذا أنت مختار

بحبوحة مع الأصفياء في الجنان ، أو لهيبٌ يقطّع الأمعاء في النيران !!!

جزيت خيرا

ابو احمد

بارك الله فيك يارب