الزهد.. تحرير القلب من الشهوات

قد يتصور البعض أن الزهد يعني الانصراف عن الدنيا بترك عمارتها وكشف أسرارها مما يسبب تخلف المسلمين ولكن الزهد كخلق إيماني يهدف إلي تحرير القلب من شهوات حب المال والسلطان واالغرور والكبرياء والترفع عن الناس.. وهذا يعني علي مستوي الأمة تحقيق المساواة والسلام الاجتماعي وخلق مناخ ملائم للمنافسة بين الناس نتيجة الكفاءات وليس الوساطة أو المحسوبيات. بما يحقق للأمة الارتقاء المنشود لها نتيجة الاخلاص الذي يؤدي إلي الاتقان في جميع الميادين قال الإمام الغزالي: "إن الزهد في الدنيا مقام شريف وهو يعني انصراف الرغبة عن الشيء إلي ماهو خير منه.. وهو بالمفاهيم الايمانية أن يترك المؤمن الدنيا لعلمه بحقارتها طلبا للآخرة لنفاستها" وهذا لا يعني ترك المال وإظهار الخشونة في الملبس بل هو يعني توجه القلب كلية إلي الله فلا يسعي في الدنيا إلا لله. ولا تكون علاقاته قائمة علي الرياء أو الطمع أو حب الظهور والرئاسة بل تكون علي إخلاص الوجهة لله رب العالمين وعلامات الزهد هذا المفهوم ثلاثة العلامة الأولي ان لا يفرح بموجود. ولا يحزن علي مفقود كما قال تعالي لكيلا تأسوا علي مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور" "الحديد: 23" والعلامة الثانية ان يستوي عنده ذامة ومادحة وهذا علامة الزهد في الجاه وحب الظهور فيبعد عن طغيان الحكام الذي يصل الي حد ادعاء الربربية كما جاء في قوله تعالي "قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين" "الشعراء 29" أما العلامة الثالثة في أن يكون أنسه بالله تعالي والغالب علي قلبه حلاوة الطاعة إذ لا يخلو قلب من حلاوة المحبة إما محبة الدنيا واما محبة الله وهما في القلب كالماء والهواء في القدح فالماء إذا دخل خرج الهواء ولا يجتمعان وكل من أنس بالله اشتغل به ولم يشتغل بغيره قال تعالي "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حبا لله ولو يري الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وان الله شديد العذاب" "البقرة: 165".
ولقد بين الرسول صلي الله عليه وسلم ان الزهد في الدنيا ليس بتحريم الحلال أو التفريط في الاموال او ارتداء الحقير من الثياب بل الزهد الحقيقي ان تكون الدنيا في يد المؤمن ولكنها لا تحجب قلبه عن تنسم رحيق الإيمان وشرائع الاسلام وسمو المبادئ والاخلاق فتكون كل حركاته في الحياة لله وبالله ومن الله. لانه يثق فيما عند الله اكثر مما يثق في اغراءات الدنيا وبريقها الزائف وبالتالي فهو يعمل لآخرته بكل جهده ولا يضن في سبيل ذلك ببذل الجهد والنفس والمال لأن الآخرة خير وأبقي علي أن لا يضر ذلك بدنياه فالدنيا مزرعة الآخرة والذي يضر بدنياه لن يملك ما يقدمه لاخراه وقال تعالي "ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال علي حبه ذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتي الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في اللأساة والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون" "البقرة: 177" وعن عيسي بن سبرة المدني قال حدثني من سمع انس بن مالك يحدث عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ان الله تعالي يعطي الدنيا علي نية الآخرة وأبي ان يعطي علي نية الدنيا.وعن الحسن بن محمد بن اسحاق قال: سمعت أبا عثمان يقول: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من اعلام الحياء وزن الكلام قبل التفوه به ومجانبة ما يحتاج الي الاعتذار منه وترك اجابة السفيه حلما عنه قال ذو النون فاما الحياء من الله عز وجل فهو ما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: أزهد الناس من لم ينس المقابر والبلي وترك أفضل زينة الدنيا وآثر ما يبقي علي ما يفني ولم يعد غدا من ايامه وعد نفسه في الموتي.